لطالما حملت سنة 1904 العديد من القضايا الغامضة التي تولاها صديقي هوروود و لعل أبرز هذه القضايا هي : انفجار قطار لوسيانا ، لغز غريق البحيرة ، و مغامرة النبيل آليك بارغون و التي قد أروي إحدى هذه القضايا لاحقاً حيث أنني بصدد سرد القضية الأكثر غموضاً التي وقعت في ذلك العام .. في إحدى ليالي ابريل حيث كنتُ جالساً أرتب سجلات القضايا و الجرائم التي انجزناها أنا و هوروود كان صديقي يرتبُ الملفات التي على الرفوف حيث وضع ملفات المجرمين الذين كشفنا جرائمهم و ألقينا بهم بالسجن على رفٍ منفصل عن البقية ، في حين وجدتُ أحد القضايا التي حدثت عام 1902 و كانت تتحدث عن جريمة بشعة و هي موت مسنة في المرحاض حيث كانت رأسها بالمرحاض و قد خُنقت فيه ، لطالما كانت هذه أعقد قضية يواجهها صديقي هوروود خلال السنوات الثلاث الأخيرة و على الرغم من اكتشافه فاعل هذه الجريمة إلا أنه كان بها بعض النقاط غير الواضحة .. و رؤيتي لملفها كان قد جعلني أناقش هوروود بها بينما كنا نرتب ملفاتنا..
" إن بيدي الآن سجل الجريمة التي ارتكبت بحق السيدة بارنيس ، و الحقيقة إنني لأرى أن هذه القضية من القضايا المعقدة يا هوروود ، فما زال بها نقاط مجهولة بشكل كبير حتى الآن ! "
" آه ، تلك السيدة المسكينة قُتلت على يد زوجها السابق و لم نعلم السبب ، و لكنني أرجح بأنه قتلها من أجل أن يثأر منها و ليس من أجل الذهب الذي سُرق . "
" لم أفهم هذه النقاط أبداً يا هوروود ، إن كان زوجها قتلها و إن كان ليس هو من سرق الذهب حسب نظريتك .. فمن سرقه ؟ "
" كما قلت يا صديقي العزيز ، نقاطٌ مجهولة .. لو أن زوجها بقي حياً لعرفنا الأسباب بالكامل و لكن الغريب بالأمر أنه وجد ميتاً بعد يومان في مدينة لوس أنجلوس و كما كان يُشاع بأنها كانت حادثة .. حسناً صديقي لقد أصبحت الساعة العاشرة و النصف ، سأخلد للنوم و أُكمل ترتيب ملفاتي غداً . "
و نهض صديقي من مكانه ليخلد للنوم و لكن طرق الباب أوقفه مكانه فقلت : " عساه خيراً .. هل هذا عميل برأيك !؟ "
" حسناً .. أتمنى ذلك ، فلنا أسبوعٌ بأكمله لم نتولى أمر أي قضية و هذا يشعرني بالاحباط نوعاً ما . "
توجهت للباب و فتحتُ الباب لأجد قبالتي رجل ضخم البنية ذو شارب و لحية كبيرتان يرتدي طقماً رسمياً باللون الأسود .. قال بصوتٍ متهجم : " عذراً يا سيدي ، هل السيد ستيف هوروود هنا ؟ "
" نعم . "
لم ينتظر الرجل إلى أن أقول له تفضل فبعد أن قلتُ نعم كان قد دخل لوحده و توجه للحجرة و عندما رأى هوروود توجه نحوه مصافحاً يقول : " سيد هوروود .. أنا لوجن مايكل جئت إلى هنا طالباً مساعدتك إننا نواجه مُصيبة و قد استعنتُ برجال الشرطة لحل هذه المسألة إلا أنهم لم يحرزوا أي تقدم يُذكر و قد خطرت على عقلي فأظن انت الوحيد الذي يمكنه مساعدتي بهذا الأمر . "
" أهلا بك سيدي ، تفضل بالجلوس و أخبرني ما هي قصتك ؟ "
هم العميل بالجلوس و كنا قد جلسنا على قبالته ثم بدأ يشرح لنا ما يواجه : " أنا أعمل خادم لدى السيد أوليفر تايسون في قرية تشارم بارك منذ أربعة أشهر ، سيدي عمدة قد تقاعد قبل سنتين و أراد أن يعيش حياة هادئة بعد التقاعد فذهب إلى قرية تشارم بارك و قد بنى منزلاً شبيه بالقصر من ثلاث طوابق ، إنه غير متزوج و لديه الكثير من الأموال ، في الحقيقة إن ثروته غير معروفة ، و قد أصبح غير قادر دون خدم مما جعله هذا يُحضر خادمة تنظف البيت و تُعد له الطعام ، و خادم يأخذ له الطعام على غرفة السفرة و يقوم ببعض الأعمال الخارجية بعد أن يُكلفه بها سيدي ، الخادمة آنسة تبلغ من العمر أربعة و عشرين عاماً اسمها ديلارا تعمل مقابل أجر يبلغ خمسون دولاراً بالشهر ، أما الخدم فبالحقيقة أنا سابع خادم يعمل لدى السيد أوليفر ، الستة الذين كانوا قبلوا لم يمكثوا كثيرا عنده ، و حصلت على عمل لديه قبل أربعة أشهر مقابل مئة دولار في الشهر و قد كانت الأمور على ما يرام .. قبل شهر بدأت تصل رسائل تهديد إلى السيد أوليفر من طرف مجهول و تحتوي الرسائل على أنه سيُعاقب على ما اقترفه أثناء فترة عمله و استمرت هذه التهديدات لحين الساعة الثامنة مساءاً من هذا اليوم عندما طرقتُ باب مكتبه لأدخل له القهوة لم يُجيب و عندها انتابني القلق ففتحتُ الباب و دخلت الغرفة و لم أجد السيد أوليفر بها . "
" كيف اختفى ؟ هل كانت النوافذ مفتوحة ؟ "
" كلا سيد هوروود ، النوافذ مغلقة بإحكام . "
" كم رسالة تهديد وصلته ؟ و ما محتوى الرسائل ؟ "
" كانت ثلاثُ رسائل ، اثنتان كانتا ينصان على أنه تحت التعقب و أنهم يعرفون أن السيد أوليفر يقطن في قرية تشارم بارك .. أما الرسالة الثالثة فكانت عبارة عن أرقام من واحد لعشرة و كلمة يوم الاثنين و حرف كيه ، لم أفهم معنى هذا ! "
" آوه ، هذه قضية مثيرة للاهتمام حقاً ، و الرسالة الثالثة أيضاً لابد بأن بها لغزٌ ما .. هل احتفظت بتلك الرسائل ؟ "
" احتفظ بها سيدي في صندوق خشبي و أقفل عليه ، في الحقيقة هو من قرأ تلك الرسائل و لست أنا و لم أفهم جيدا ما قاله بشأن الرسالة الثالثة فقد قال لي أنها تحتوي أرقاماً فقط و لم يشرح عنا شيء . "
" حسناً سأكون أنا و صديقي أديسون غداً في تشارم بارك عند الساعة التاسعة صباحاً .. طابت ليلتُك سيد مايكل . "
و بعد ذلك انصرف العميل و قد جلس هوروود على مقعده يحدق في سقف الغرفة و يفكر و بعد تنهيدة قال : " ما رأيك بهذا يا أديسون ؟ "
" لا أعلم ، أظن أنها قضية معقدة بعض الشيء .. هل كونت استنتاجاً ما ؟ "
" ليس كذلك ، لن أستطيع تكوين أي استنتاج دون أن أذهب إلى تشارم بارك .. ليلة سعيدة . " و في صباح اليوم التالي الساعة التاسعة كنا في قرية تشارم بارك .. لم تكن تعم بالسكان إطلاقاً ، مجرد أرض خالية لا تزيد عن مئتي ياردة و كان بها منزل السيد أوليفر و حظرة بقرة و ثلاثة أكواخ اثنان بعيدان عن منزل السيد أوليفر نحو خمسون ياردة و الأخير بعيد ما يقارب الخمسة عشر ياردة .. طرقنا منزل السيد الماجد فاستقبلنا العميل الذي جاءنا بالأمس و رحب بنا ثم هممنا بالدخول و توجهنا إلى المكتب لتدخل بعد دقائق الآنسة ديلارا التي حدثنا عنها عميلنا و هي خادمة المنزل ، قدمت لنا أكواب الشاي بالزعتر ثم خرجت ، لم يكن يدل وجهها على أنها تكيد الشر لأحد أما صديقي هوروود أخذ يتفحص المكتب بعيناه ثم وجه نظره للخادم و بدأ يسأله ..
" من يقطن في الأكواخ القريبة من هنا ؟ "
" الكوخ الذي يبعد عنا خمسة عشر ياردة هو لسيدة أرملة في الأربعين من عمرها حسبما أعلم العمدة أحضرها إلى هنا لأنها فقيرة و لا مأوى لها .. أما أما الكوخان الآخران أحدهم فارغ و مهجور لقد كان مبني قبل قدوم السيد أوليفر إلى هذه المنطقة و أظن أن صاحبه قد مات بطريقة أو باخرى لأن داخل الكوخ جمجمة لإنسان و بقايا هيكله العظمي ، الكوخ الأخير لقاطع طريق يدعى ويليام جريسون و لعلكم سمعتم عنه ... "
صحتُ قائلاً : " ويليام جريسون ! إن هذا مجرمٌ خطير و مطلوبٌ للعدالة كيف يمكث هنا و لماذا لم يبلغ أحد رجال الشرطة بالأمر ؟! "
" إنه لا يمكث بالكوخ يا سيدي ، يأتي قليلاً و في أوقات غير معلومة . "
قال هوروود : " هل من مواقف بينه و بين سيدك ؟ "
" لقد جاء إلى سيدي مرة و طلب منه المال مقابل أن لا يعترض تلك السيدة الأرملة و أعطاه سيدي المال و بعد ذلك قام بالاتصال على الشرطة و جاؤوا و اقتحموا الكوخ لكن لم يكن المجرم ويليام به . "
" حسناً ، أحضر لي الصندوق الذي وضع به سيدك الرسائل . "
و جاء عميلنا بالصندوق و قام هوروود بفتحه و قرأ الرسائل و لم يثير اهتمامه سوى الرسالة التي تحتوي الأرقام و كانت على الشكل التالي :
و قد أمعن صديقي النظر بها و بعد دقائق وضعها بجيبه ثم قال : " سأذهب إلى كوخ ويليام انت ابقى هنا مع السيد لوجن يا أديسون . "
و غادر صديقي و بقيتُ أنا جالساً مع خادم المنزل في غرفة الجلوس و مرت ساعات ثم عاد صديقي و قال : " يبدو أنني لن أستطيع التفكير الآن ، سأنام و في صباح الغد سنكمل التحقيق بالأمر ، اعذرني سيد لوجن فأنا مرهق . " ثم صعدنا إلى إحدى الغرف في الطابق العلوي و جلستُ على الأريكة بينما جلس هوروود على المكتب و أخرج تلك الرسالة من جيبه يتفحصها جيداً فقلتُ : " ماذا حدث ؟ هل اكتشفت شيئاً عندما خرجت ؟ هل من جديد ؟ لما طالت فترة خروجك ؟ هل كونت استنتاجاً ؟ "
ابتسم صديقي ابتسامة واسعة و قد دار وجهه إلي و ينظر بخبث قائلاً : " لقد حللتُ لغز الرجل الذي يهدد السيد أوليفر و لكن لليقين أود أن أحل لغز هذه الرسالة .. و كتابته لترتيب هذه الكلمات بهذه الطريقة لها معنى بالتأكيد ، فإذا أخذنا حرف ال I لوحده فهذه معناها ( أنا ) و إذا اشتققنا حرف ال w من كلمة two ثم عدنا للكلمة الأولى و اشتققنا منها أول ثلاثة أحرف سيصبح لدينا كلمة ( will ) و حرف k بعد ذلك و إذا عدنا للكلمة الأولى مجدداً لنشتق أول ثلاثة أحرف ستصبح ( kill ) و ou اذا اضفنا لها حرف ال y ستصبح ( you ) و هذا معناه أنا سأقتل... آوه ، انظر لهذه الرسالة يا أديسون معناها أنا سأقتلك ، و أظن المغزى من كتابة المجرم لهذه الرسالة بالأرقام لأنه قد يكون وضع الوقت و التاريخ الذي سيقتل به السيد أوليفر لا محالة !! "
" لقد زادتني هذه الرسالة حماسة يا هوروود .. تابع . "
" حسناً ، ثم بعد ذلك تأتي كلمة يوم الاثنين .. اليوم هو الخميس إذن يتوجب أن تكون الاثنين القادم
ينظر إلى الكلمات بتمعن أكثر
" هذا ممتاز يا هوروود و لكن السيد أوليفر اختفى و أظن أن الرسالة لا أهمية لها الآن ، أخبرني إلى ماذا توصلت غير ذلك ؟"
" تعال معي إلى المكتب و لكن انتبه أن توقظ الخدم كن حذرا بخطواتك . "
و خرجت أنا و هوروود من الغرفة و بيدي شمعة ذات ضوء خافت و توجهنا إلى المكتب و من ثم أغلقنا الباب و أخذ صديقي يتمعن النظر بالمكتبات التي بالغرفة حيث كان هناك مكتبة متوسط الحجم مقابلة لباب الغرفة مليئة بالكتب العلمية و مكتبة أخرى خلف مكتب السيد أوليفر بها عدد قليل جداً من الكُتب حيث أخذ يتمعن بها كثيراً ثم قال : " لفتت انتباهي هذه المكتبة منذ أن دخلنا هذه الغرف يا أديسون ، برأيك هل لها حاجة بوجود هذه المكتبة
مشيرا بسبابته إلى المكتبة المقابلة للباب
قلت له متقدماً نحو المكتبة شحيحة الكتب : " نعم هذا ما يبدو ، لعله كان مخبأ سري و هذا الهيكل مفتاحه ! سأحاول فتح... "
و قبل أن أكمل كلمتي الأخيرة كانت قد فتحت المكتبة و خرج منها السيد أوليفر قائلاً : " حسناً أنتما محققان عظيمان في الحقيقة ، و قد خرجتُ أمامكما الآن لأنني أظن أنكم حللتم لغز رسائل التهديد و قد تحمونني أو تخلصونني من هذا التهديد و أعود لحياتي الطبيعية ! "
أخرج هوروود الرسالة من جيبه و قال : " بالطبع ، و لكن أولاً يجب أن تخبرني هل فهمت معنى هذه الرسالة ؟ أعتقد لهذا السبب اختبئت ! و خادمك لا يعرف أنك مختبئ هنا ! "
" في الحقيقة لم أفهم من الرسالة سوى ' سأقتلك يوم الاثنين ' و لم أفهم الباقي فحرف ال k و ou سهلٌ أن اتوقعهما و لهذا اختبئت لأن يوم الاثنين قريب و كنتُ خائفاً أن يغير المجرم رأيه و يحاول قتلي قبل ذلك اليوم ! "
" نعم ، سيحاول قتلك قبل الاثنين بعد أن خرجت من القبو . "
" صديقي العزيز ، بدأت أشعر بالضجر أخبرني رجاءً من هو هذا المجرم و ماذا اكتشفت ؟ "
" حسناً أديسون ، سأشرح لكما .. ما اكتشفته هو عندما أحضر الخادم لوجن صندوق الرسائل لاحظتُ أن اصبع سبابته لونه اصفر جداً و هذا بدا لي أنه يدخن الغليون و عندما يضع التبغ بالغليون يستخدم اصبع سبابته فلهذا سبابته لونه اصفر و ما لاحظته أيضاً أن الرسائل الثلاث عليها بصمة اصبع السبابة باللون الاصفر و عندما قمت بشمه اتضح لي انه تبغ ، ليس هذا فحسب .. عندما غادرتُ المنزل و قلت أنني سأتفحص الأكواخ وجدتُ أن كوخ المجرم ويليام مهجوراً و لا يوجد به شيء ، و عندما ذهبتُ إلى الكوخ المهجور الذي قال عنه لوجن وجدتُ هذه الصورة
يخرج صورة من جيبه
بهت السيد أوليفر من كلام هوروود و نظر اليه مندهشاً ثم قال : " إن تحليلك منطقي للغاية ! كما أن هذا المنزل هو منزل السيد جايلز بالدوين نعم كان قد أخذ من الشارع مساحة تبلغ 32 ياردة و هذا غير قانوني فأمرتُ بهدمه عندما كنتُ عمدة و لكن هذا قد مضى عليه أربعة سنوات بالإضافة السيد جايلز ليس هو السيد لوجن ! "
" 32 ياردة ! إذن هذا هو تفسير الأرقام التي بالرسالة .. اثنان ، سبعة ، ستة ، ثمانية ، تسعة ، جمعهم يساوي اثنان و ثلاثون لقد وضع برسالته طريقة لتذكيرك به أيضاً .. يا لها من جرأة ! لو أنك فهمت معنى رسالته لكشفت خطته ! ، حسناً يا أديسون اذهب و استدعي ذلك الرجل بهدوء دون إرباكه . "
و ذهبتُ لاستدعاء ذاك المجرم الخطير بينما كان يغط بنوم عميق و أخذته إلى المكتب و كانت صدمته عندما رأى السيد أوليفر في المكتب لن أكون مبالغاً إذا قلت أنه تشنج عند رؤية ضحيته و بدأ يتصبب عرقه كالمطر و عندها وضعت الأغلال بيديه .. " أعلم أنك مُرسل التهديدات تلك يا جايلز ، التبغ الذي جاء على الرسائل بسبب سبابتك كان كافياً . " قال لوجن بصوت مرتبك و متقطع : " أ..أنا.. كيف علمت أن اسمي جايلز يا سيد هوروود !! "
" من هذه
يخرج صورة المبنى ليريها لجايلز
" ما يُحيرني يا سيد هوروود لماذا لجأ إليك لتجدني ؟ ألم يفكر بأن هذا قد يكشف أمره ؟ "
" لجأ إلي لأنه يعلم بأن ويليام قد تم القاء القبض عليه و أن القرية مهجورة و لم تصلك رسائل تهديد سوى التي يرسلها هو و من هنا استنتج بأنه ليس لديك أعداء ليقوموا بخطفك ، خاف من اختفاءك هذا و خاف أنه لن ينتقم منك و لهذا جائني يطلب من إيجادك و في حال وجدتُك كان سيقتلك في اليوم المحدد و لكنه لم يحسب الأمور جيداً .. و لكنني ما أتساءل حوله حقاً ألهذا الحد لدى الإنسان حقد ! لحد أن يقتل إنساناً لأتفه الأسباب ! ".
انتهى#